الاثنين، 19 أغسطس 2013

كلمة توجيهية للدعاة / لفضيلة الشيخ أ.د. سليمان الرحيلي


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه كلمات توجيهية للدعاة تفضّل بها شيخنا الأستاذ الدكتور سليمان الرحيلي عند زيارته لمقر دائرة الشؤون الإسلامية بالشارقة في شوال عام 1435هـ

فقال حفظه الله تعالى بعد حمد الله والثناء عليه:

 لا شك أن الدُّعاة من ورثة الأنبياء، لأنهم يقومون بوظائف الأنبياء، وهي الدعوة إلى الله.

لكن الداعية يعلم علم اليقين أنه لا يدعو إلى نفسه وإنما يدعو إلى الله. وهذه القضية - وهي أن الداعي يدعو إلى الله - تقتضي أموراً منها:

أن يكون مخلصاً لله تعالى في دعوته، قاصداً بذلك وجه الله سبحانه وتعالى.

ومنها أن يسير على المنهج الذي أراده الله وجاء في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذات المنهج، وفي وسائل المنهج، وفي مقاصد المنهج، لا يغير ولا يبدل.
 لأنا نعتقد اعتقاداً جازماً انه لن يُصلح الناس إلا ما شرعه الله تعالى، ولن يستطيع أحد ان يأتي الناسَ بخيرٍ مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

 وهذه الأمة المباركة يُصلح آخرها ما أصلحَ أولها، وهو الذي يجمع الناس على الحق والهدى والخير.

فهذه القضية من الأهمية بمكان؛ أن تسير على المنهج الذي شرعه الله، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو موجود في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفهمه سلف الأمة رضوان الله عليهم.

 وينبغي على الداعية:
أن يعلم أن وظيفته أن ينظر إلى الناس بشرع الله، وألا ينظر إلى شرع الله بالناس.
يحاول أن يُصلح الناس بشرع الله تعالى، ويدفع الناس إلى شرع الله، ولا ينظر إلى شرع الله بما يريده الناس، ولكنه يعرف كيف يكسب قلوب الناس بالأسلوب الحسن والعلم المتين ومراعاة أحوال الناس.

 ومما ينبغي أن يعرفه الداعية ويسير عليه؛ أن وظيفته الشرعية الفرضية عليه أن ينظر إلى الناس بشرع الله ويصلح أحوال الناس بشرع الله ويسعى لعلاج واقع الناس بشرع الله.

من الأمور التي ينبغي أن يُدركها الداعية أن من الفرائض الواجبة عليه أن يحافظ على الأمن الذي يعيشه الناس، فالناس لا يُصلحهم إلا الأمن والسكون والدّعة، وأن يكون حريصاً على بيان الأسس الشرعية والأصول الشرعية لهذا الأمن، وتوطيد هذا الأمن والتعاون عليه وكشف ما يخل به بالأسلوب الحسن المناسب الذي يحقق المقصود ولا تترتب عليه المفاسد.

 لأنا إذا نظرنا إلى واقع الحال نجد أنا - في دول الخليج عموماً - الآن مستهدفون في أمننا، مستهدفون في الوحدة الطيبة الملحوظة في العالم كله بين الرعية والراعي.
فلله الحمد نجد أن ما بين الراعي والرعية في هذه الدول - دول الخليج - فيه محبة ولله الحمد والمنة، فيه دعاء، فيه حرص على الخير من الطرفين.

ولا شك أنا نحب الزيادة من هذا الخير. وهناك من يحسدنا على هذا الأمر ويلبّس هذا الأمر بلباس الدين، ويطرحه بطرح الدين.

وظيفتنا نحن الدعاة أن نرد هذا الأمر، ونحرص أيما حرص على تقوية اللحمة:
- بين الرعية أنفسهم بشرع الله.
- وبين الرعية والعلماء، فإن الناس لا يزالون بخير ما ارتبطوا بعلمائهم.
- وبين الراعي والرعية، وسد كل ثغرة يمكن أن يفتحها من عنده انحراف، بالأسلوب الشرعي والعلم المتين.

ونبذل ما نستطيعه في هذا الباب ليس تقرباً لأحد، وإنما هو تقرب إلى الله لأنه دين.
ولن يفلح أحد في هذا الباب إلا إذا كان طرحه خالصاً لوجه الله تعالى.

 ونحن نلحظ أيها الإخوة أن من الناس:
- من يحاول إبعاد الناس عن وطنهم وبلادهم بحجة أن المواطَنة لا مكان لها في الإسلام.
- ويربط الناس بولاءات بعيدة عن بلادهم وهي أيضاً ليست شرعية.

فينبغي على الداعية أن يلحظ هذا، وأن يحرص على بيان الولاء الشرعي الصحيح والأسس الشرعية لارتباط الإنسان ببلده، وأنه ليس صحيحاً أن لا يرتبط الإنسان ببلده وإنما يرتبط بالأمة الكبرى! وتُقطع عرى صلته ببلده! بل يحرص على بيان الأصول الشرعية التي تقتضي ارتباط الإنسان ببلده من غير انحراف في الباب.

 فهناك من ينحرف في هذا الباب من جهة أخرى، ويريد أن يجعل مثلاً المواطنة مقدمة على الإسلام، وهذا لا شك أنه انحراف.

فينبغي على الداعية أن يبين الأصول الشرعية التي يرتبط فيها الإنسان ببلده وأنه يجب أن يكون له ولاء شرعي في بلده بما يربط الناس.
لأنا نلحظ أن هذا الأمر وخاصة في وسائل الإعلام الحديثة بدأ يكثر جداً في محاولة قطع أواصر اللحمة بين الناس والبلدان التي يعيشون فيها.

صراحة بكل صدق أقول:
يعني هناك من يعيش مثلاً في الإمارات، في دولة السعودية، في كذا.. ويأتي أمر يحتاج إلى موقف شرعي فتجده لا يتخذ موقفاً، ينتظر مواقف الآخرين الذين هم أصلٌ له، ويكون موقفه تبعاً لموقفهم، ليس الموقف الذي تقتضيه الأصول الشرعية، وليس الموقف الذي ينبغي أن يكون عليه، وإنما هو تبع لغيره. ولا شك أن في هذا خللاً عظيماً ينبغي التنبه إليه.

 الداعية ينبغي أن يحرص على بيان الأصول الشرعية بالأسلوب الصحيح، يعني لا بد - يا إخوة- أن تلاحظ أنك تتكلم بالحق لتبينه للخلق، فتلحظ هذا الأمر، فتحرص على أن توصله بالحق بأسلوب طيب.

قضية الأساليب مهمة، الإنسان لا يكون على أسلوب واحد مع كل أحد، الناس يختلفون في تلقيهم، يمكن أن تعرض الحق بأساليب متعددة مناسبة لكل مقام. بعض الناس يصلحه التصريح ولا ينفعه أن تشير إشارة، وبعض الناس التصريح ببعض الأشياء لا يصلحه، فيحتاج أن تأخذ معه قضية التلميح وقضية التأصيل وقضية كذا.

 المهم أن الداعية يدرك أن وظيفته أن يوصل الحق إلى الخلق فيحرص على هذا بأسلوب يكون مناسباً. هذه أشياء يجب أن ندركها.

 أشير إلى قضية مهمة جداً وهي:
أن الداعية زاده العلم الصحيح ولا يزال الإنسان بخير ما ظن أنه جاهل يحتاج إلى علم، فإذا ظن أنه وصل فقد انقطع.

إياك أن تقول أنا اليوم أعلم!، أنا ما أحتاج أن أتعلم!، من ظن هذا فقد أفلس.

 لا يزال الإنسان بحاجة إلى العلم إلى أن يموت.
والعلم كما قال العلماء بحور زاخرة، لن يدرك الكادح فيه آخره، يموت الإنسان وهو ما وصل.
ولكن يحتاج إلى أن يتعلم.
وكلما كنت قوياً في علمك؛ كلما كنت بحمد الله متيناً في أثرك، والأثر لا يُقاس بالكثرة، ولكنه يُقاس بالقوة.
فقد يكون هناك أناس كُثر يتبعون لشخص ولكن ليس هناك الأثر النافع الذي يظهر عليهم في بلادهم وفي أنفسهم.
 وقد يكون هناك من الناس من يكون عنده عدد قليل من الناس؛ ولكن له أثر متين راسخ، وكلما كان علمك قوياً كان أثرك متيناً.

نعم قد يكون الأتباع أقل لأن العلم ثقيل، أو الناس تحب الشيء الذي يُطرب ولا يُتعب، يدخل الإنسان ويستمع على أنه أمر ديني ويخرج ربما يضحك، ربما توسع صدره، ربما كذا .. ثم يخرج لم يحمل شيئاً.
الشيء الذي يُطرب ولا يُتعب، يحس أنه قام بشيء شرعي ولا يتحمل شيئاً.
أما العلم، فالعلم ثقيل لكن أثره متين، وهو الذي ينفع وقت الأزمات بفضل الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يتبين فيه الصادق في موقفه من الناقص.

ولذلك يا إخوة، الدعاة ينبغي عليهم التزود من العلم، وأن لا يقفوا عند حد، وكذلك التعاون فيما بينهم في هذا وفي غيره، وأن يرجع الأصغر إلى الأكبر مع المشاورة وحسن الصلة بولاة الأمر والقائمين على الدعوة. بحيث يكون تعاون على البر والتقوى.

 أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا للقيام بالواجب علينا، وأن يحقق لنا ما نريد من سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، والله تعالى أعلا وأعلم وصلى الله على نبينا وسلم. ا.هـ.


الأحد، 10 مارس 2013

سنن مهجورة (3)



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...



وبعد...

عوداً على بدء واستكمالاً لما قد بدأته، أذكر بعضاً من السنن التي هجرها كثير من الناس، مبينا فضلها وشيئا من أحكامها وآدابها، تذكيراً لنفسي المقصرة أولا ثم تذكيراً لغيري بهذه السنن عملا بقوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: 55].

راجياً من الله تعالى أن يجعلني ومن ساهم في نشرها ممن قال فيهم صلى الله عليـه وسلم: (مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ) رواه مسلم.

تطرقتُ في مقالين سابقين على اثنتين من السنن المهجورة وهي: سنة الاقتصاد في استعمال الماء، وسنة استعمال السواك، وها أنا الآن أتطرق إلى السنة الثالثة فأقول وبالله التوفيق:

ثالثاً: السُّترة في الصلاة

إن من السنن التي سنها النبي صلى الله عليـه وسلم سنةَ اتخاذ السترة عند الصلاة، والمراد بالسترة: ما يجعله المصلي أمامه ليكون حائلاً وحاجزاً عما وراءه كيلا يمرّ مارٌ بين المصلي وبين موضع سجوده.

وقد أكد النبي صلى الله عليـه وسلم على مشروعيتها فقال: (إذا صلى أحدكم فليصلِ إلى سترة، وليدنُ منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن جاء أحدٌ يمر؛ فليقاتله فإنما هو شيطان) رواه أبو داود.

وقد حرص النبي صلى الله عليـه وسلم على هذه السنة حتى لو كان في الصحراء أو في السفر فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليـه وسلم كان إذا خرج يوم العيدِ أمر بالحَربَةِ فتوضعُ بين يديه، فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعلُ ذلك في السّفر. رواه البخاري

وقد بين النبي صلى الله عليـه وسلم الحِكمة من ذلك فقال: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يمرّ الشيطان بينه وبينها) رواه البيهقي. وفي لفظ عند أحمد وغيره: (لا يقطع الشيطان عليه صلاته).

بل أرشد عليه الصلاة والسلام إلى مشروعيةِ دفعِ من يريد المرور بين يدي المصلي وسترته فقال: (إذا صلى أحدكم إلى شيءٍ يستره من الناس فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه؛ فليدفعه، فإن أبى، فليقاتله، فإنما هو شيطان) رواه البخاري ومسلم.

وقال صلى الله عليـه وسلم: (يَقطعُ الصَّلاةَ المرأةُ والحمَارُ والكلبُ، ويقِي ذلكَ مثلُ مؤخرةِ الرَّحْلِ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤخرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ، وَلَا يُبَالِ مَنْ مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ) رواه مسلم.

ومؤخرةُ الرحل: هي الخشبة التي يستند إليها الراكب.
ويقدر طولها بذراع أو ثلثي ذراع.


قال الألباني رحمه الله في صفةالصلاة: وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يدعَ شيئاً يمر بينه وبين السترة؛ فقد كان مرة يصلي؛ إذ جاءت شاة تسعى بين يديه، فَسَاعَاهَا [أي: سابقها] حتى ألزق بطنه بالحائط، [ومرت من ورائه] رواه الطبراني.

وهذه السنة عمل بها الصحابة، وأرشدوا الناس إليها. 

قال عمر رضي الله عنه: "المصلون أحق بالسواري من المتحدثين إليها" أي باتخاذها سترة لهم.
وعن قرّة بن إياس قال: رآني عمر وأنا أصلي بين أسطوانتين فأخذ بقفاي إلى سترة فقال صلّ إليها. رواهما البخاري معلقاً ووصلهما ابن أبي شيبة.

وقد كانوا رضي الله عنهم يتسابقون إلى السواري في المسجد يتخذونها سترة لهم ففي البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لقد رأيت كبار أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب حتى يخرج النبى صلى الله عليه وسلم.


وفي مصنف عبد الرزاق أن عمرو بن دينار قال: مررت إلى جانب ابن عمر [أي: وهو يصلي]، فظن أني أمر بين يديه، فثار ثورة أفزعتني، ونحاني.


وعند ابن أبي شيبة في مصنفه أن عبد الله بن بريدة قال: رأى أبي ناساً يمر بعضهم بين يدي بعض في الصلاة فقال: ترى أبناء هؤلاء إذا أدركوا يقولون: إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون.

وفي المصنف أيضاً عن ابن سيرين قال: كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قائماً يصلي، فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمرّ بين يديه فدفعه، وأبى إلا أن يمضي، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له: تصنع هذا بعبد الرحمن؟ فقال: والله لو أبى إلا أن آخذ بشعره لأخذتُ.

ولا بد من التنبه لما يلي:
1. لا يجزئ أن يضع أمامه عصاً عرضاً ولا أن يخط خطاً ولهذا قال الإمامان مالك، والليث: "الخَطُّ باطل وليس بشىء"، فمن لم يجد شيئاً يستتر به فإنه لا شيء عليه.

2. إن هذا الحكم عام في جميع المساجد، ولا يستثنى منها المسجد الحرام ولا المسجد النبوي لعدم ورود ما يدل على استثنائهما، قال ابن بطال في شرح البخاري: "والسترة للمصلي معناها: درء المارّ بين يديه، فكل من صلى فى مكان واسع، فالمستحب له أن يصلى إلى سترة بمكة كان أو غيرها".

3. بين العلماء أن مقدار المسافة بين المصلي وبين السترة يكون قريباً من ثلاثة أذرع.

4. مذهب جمهور العلماء على أن المراد بقطع الصلاة نقص أجرها لا بطلانها، كما أشار إلى ذلك الإمام النووي والشوكاني وغيرهم.

فلنحرص جميعاً على امتثال هذه السنة العظيمة، فإن الإتيان بها من مكملات الصلاة، ومن تمامها وحسنها، ولنحذر من مخالفة أمر النبي صلى الله عليـه وسلم، فإنه لم يترك شيئاً يقربنا إلى الله إلا أمرنا به، وأرشدنا إليه، ولم يترك شيئاً يباعدنا عن الله تعالى؛ إلا حذرنا منه، قال أبو بكر رضي الله عنه: "لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ ، فَإِنِّى أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ" رواه البخاري ومسلم.

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "لو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم لضللتم" رواه مسلم.

وقال الإمام ملك رحمه الله: السُّنَّةُ سَفِينَةُ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ.




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخميس، 31 يناير 2013

تأخر المطر ابتلاء من الله والسبيل الشرعي في رفعه


   الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين نبينا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد
   اقتضت سنة الله تعالى في عباده أن يبتلي عباده أحياناً بجدب الأرض وقلة المطر تمحيصاً لهم أو عقوبة عليهم.
   يوقع الله سبحانه وتعالى هذا البلاء إما بسبب تفريطهم لأمر من أوامره، أو بسبب وقوعهم في ما حرمه الله تعالى عليهم كما أشار إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].
   وقال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16].
   وقال صلى الله عليه وسلم : (يا معشر المهاجرين ! خمس إذا ابتليتم بهن و أعوذ بالله أن تدركوهن:
   لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.
   ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين و شدة المؤنة و جور السلطان عليهم.
   ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء و لولا البهائم لم يمطروا.
   ولم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم.
   وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله و يتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) رواه ابن ماجه وهو صحيح.

وقد يرفع الله عنهم البلاء إن هم تابوا وأنابوا وأذعنوا إليه سبحانه، ولجؤوا إلى طلب ذلك بعبادة مخصوصة سنّها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الاستسقاء.

والاستسقاء يحصل إما بصلاة مخصوصة كهيئة صلاة العيد، وإما بالدعاء يوم الجمعة:

فمن الأول ما روته عائشة رضي الله عنها، قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبرٍ فوُضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجبُ الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن أوان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)، ثم قال: (الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين).
ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحاباً فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنِّ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: (أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله).
أخرجه الحاكم وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ".
والكَنّ: هو ما يُجعل من المساكن ليُتقى به شدة الحر والبرد.

ومن الثاني ما رواه البخاري في صحيحه أن رجلاً دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ منْ بابٍ كانَ نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، ورَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِمٌ يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قائِماً ثُمَّ قَالَ: يَا رسولَ الله، هَلَكَتِ الأمْوَالُ، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادْعُ الله يُغِيثُنَا.
فَرَفَعَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قالَ: (اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا، أللَّهُمَّ أغِثْنَا).
قَالَ أنَسٌ: وَلاَ وَالله مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ ولاَ قَزَعَةٍ وَمَا بَيْنَنَا وبَيْنَ سَلْعٍ [اسم جبل بالمدينة] مِنْ بَيْتٍ ولاَ دَار، قَالَ: فَطلعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلَ الترْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أمْطَرَتْ فَلاَ وَالله مَا رَأيْنَا الشَّمْسَ سِتَّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذلِكَ البابِ فِي الجُمُعَةِ المقبلة ورَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ فاسْتَقْبَلَهُ قائِما فَقَالَ: يَا رسولَ الله هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ فادْعُ الله يُمْسِكْهَا عَنَّا.
فَرَفَعَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قالَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالظِّرَابِ وبُطُونِ الأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ).
قَالَ: فأقْلَعَتْ وخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ أهُوَ الرَّجُلُ الأوَّلُ فقالَ لا أدْرِي.

فينبغي علينا الرجوع إلى الله تعالى والإنابة إليه، والاستغفار عما بدر منا من زلل في حقه سبحانه، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10 -12].
واقتضت سنة الله تعالى في خلقه أن لا يغير ما حل بهم من بلاء وعقوبة حتى يُغيروا من أنفسهم كما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد: 11].
ومن الأدعية المشروعة في هذا الباب ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلـم في ذلك:
(اللهم جَلِّلنا [أي عممنا] سحاباً كثيفاً قصيفاً [القصيف هو ذو الرعد] دلوقاً [أي متدفقاً بشدة] ضحوكاً [أي كثير المطر] تمطرنا منه رُذاذاً [الرذاذ هو دون الطش] قِطْقِطاً [وهو ما دون الرذاذ] سَحْلاً يا ذا الجلال والإكرام) رواه أبو عوانة من حديث سعد بن أبي وقاص.
(اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل) رواه أبو داود.
(اللهم أسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت) رواه أبو داود بإسناد جيد.
(الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ملك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته علينا قوة وبلاغاً إلى حين) رواه أبو داود.

فأسأل الله تعالى أن يوفقنا لذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يكرمنا بغيث عاجل غير آجل، يعم به البلاد، ويفرح به العباد، وينبت به الزرع، ويجعله متاعاً وقوةً لنا حتى حين، بمنه ورحمته وفضله إنه جواد كريم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الثلاثاء، 8 يناير 2013

سنن مهجورة (2)






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... وبعد

إن التمسكَ بسنة رسول الله صلى الله عليـه وسلم؛ فيه الثبات والرسوخ في الدنيا، والفوز والنجاة في الآخرة، ولهذا قال صلى الله عليـه وسلم لأصحابه يوماً: (إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ) رواه الحاكم في المستدرك وأصله في مسلم.
والعمل بسنة النبي صلى الله عليـه وسلم علامة على محبةِ الله تعالى، ولهذا قال تبارك وتعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "هذه الآية الكريمة حاكمةٌ على كل من ادعى محبة الله؛ وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله".



والصحابةُ والتابعونُ لهم بإحسانٍ تمسكوا بسنته صلى الله عليـه وسلم، وأغلظوا القول على من عارضها لرأيٍ ونحوه، ففي صحيح مسلم من حديث عَبْد اللهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليـه وسلم يَقُولُ: (لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) [أي: طلبوا الذهاب للمسجد]. قَالَ: فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ: فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ: " أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليـه وسلم وَتَقُولُ: وَاللهِ لَنَمْنَعُهُنَّ ؟!!".



قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: ما بلغني عن رسول الله صلى الله عليـه وسلم حديثٌ قط؛ إلا عملتُ به، ولو مرة. [السير 7/242].


وقال ابن رجب رحمه الله تعالى: من سار على طريق الرسول صلى الله عليـه وسلم وإن اقتصد؛ فإنه يسبق من سار على غير طريقه وإن اجتهد. [لطائف المعارف].



وقال الجُنيد رحمه الله تعالى: الطرقُ كلها مسدودةٌ على الخلف إلا على المقتفينَ آثار الرسول صلى الله عليـه وسلم والتابعين للسنة. [ابن الجوزي في تلبيس إبليس].


وعوداً على ما أردتُ تقريره في هذا المقال من بيان بعض السنن التي استهان بها الناس، وتساهلوا فيها، وصارت عند بعضهم من السنن المهجورة أذكر:


ثانياً: استعمال السواك.


السواك، سُنة حافظ عليها النبي صلى الله عليـه وسلم، خفيف المحمل، لا يكلف المرء جهداً ولا وقتاً ولا مالا.
وقد عرفه الفقهاء بقولهم: هو كل عُود منقِّ لا يتفتت ولا يضر، يُدلك في الفم ويحرك فيه ليطهره، ويُتخذ من أي شجر، وأجودُه ما كان من شجرة الأراك كما نص على ذلك غير واحد من الفقهاء.
ولعظيم فائدة السواك، وكثرة أجره، أمر الله به رسوله صلى الله عليـه وسلم فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليـه وسلم قال: (لقد أُمِرتُ بالسواك حتى ظننت أنه ينزل علي فيه قرآن أو وحي). رواه أبو يعلى وأحمد. وفي لفظ عند البزار: (أمرني جبريل بالسواك حتى ظننت أني سأَدْرَد)، أي ستسقط أسناني.



ولهذا نجد أن النبي صلى الله عليـه وسلم أكثرَ على أصحابه من الحث والترغيب في فعله، ففي البخاري من حديث أنس رضي اللهُ عنه أن النبي صلى الله عليـه وسلم قال: (أكثرتُ عليكم في السِّواكِ) وقد سئل ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ السِّوَاكِ؟ فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليـه وسلم يَأْمُرُ بِهِ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَنْزِلُ عَلَيْهِ فِيهِ [مصنف ابن أبي شيبة]. وهذا يدل على تأكد استحبابه.



وقد استجاب أصحاب رسول الله صلى الله عليـه وسلم لهذا الأمر، وتمسكوا بهذه السنة العظيمة، ففي مصنف ابن أبي شيبة أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، وَأَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليـه وسلم كَانُوا يَرُوحُونَ وَالسِّوَاكُ عَلَى آذَانِهِمْ. ومعنى يروحون: أي، يغدون للعمل أول النهار.
وقال أَبُو سَلَمَةَ: ..رَأَيْتُ زَيْدًا يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنَّ السِّوَاكَ مِنْ أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، فَكُلَّمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اسْتَاكَ. رواه أبو داود.



وثبت في فضله أنه يجلب رِضى الله سبحانه وتعالى للعبد، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليـه وسلم قال: (السواكُ مطهرة للفم مرضاة للرب) رواه النسائي وابن خزيمة.
وقال صلى الله عليـه وسلم: (طَيّبوا أفواهكم بالسواك فإنها طُرق القرآن). رواه ابن ماجه.
وبين عليه الصلاة والسلام أن استعمال السواك من سنن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، كما ثبت ذلك صريحاً في مسلم.



ويتأكد استعمال السواك عند الوضوء وعند الصلاة كما أخبر بذلك صلى الله عليـه وسلم. وقد سئلت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليـه وسلم إذا دخل بيته قالت: بالسواك. رواه مسلم.
وثبت من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليـه وسلم إذا قام من الليل يشُوص فاه بالسواك. متفق عليه. ومعنى "يشوص"، أي: يدلك أسنانه عرضاً. [النووي].



وكان من شدة حرصه صلى الله عليـه وسلم على استعمال السواك أنه: كان لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك. رواه أحمد



وأكد النبي صلى الله عليـه وسلم على مشروعية السواك خاصة في يوم الجمعة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم: (إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين فمن جاء الجمعة فليغتسل وإن كان عنده طيب فليمس منه وعليكم بالسواك). رواه ابن ماجه بإسناد حسن وفي رواية عند أحمد: (ثلاث حق على كل مسلم: الغسل يوم الجمعة والسواك والطيب).



والسواك من آخر السنن التي فعلها النبي صلى الله عليـه وسلم قبل موته فعن عائشة قالت: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَصَمْتُهُ، وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى». ثَلاَثًا، ثُمَّ قَضَى، وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي. رواه البخاري



قال ابن القيم: وفي السواك عدة منافع: يُطَيِّبُ الْفَمَ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ، وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ، وَيَجْلُو الْبَصَرَ، وَيَذْهَبُ بِالْحَفَرِ، وَيُصِحُّ الْمَعِدَةَ، وَيُصَفِّي الصَّوْتَ، وَيُعِينُ عَلَى هَضْمِ الطَّعَامِ، وَيُسَهِّلُ مَجَارِيَ الْكَلَامِ، وَيُنَشِّطُ لِلْقِرَاءَةِ، وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ، وَيُرْضِي الرَّبَّ، وَيُعْجِبُ الْمَلَائِكَةَ، وَيُكْثِرُ الْحَسَنَاتِ.
وَيُسْتَحَبُّ كُلَّ وَقْتٍ، وَيَتَأَكَّدُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ، وَالِانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ، وَتَغْيِيرِ رَائِحَةِ الْفَمِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُفْطِرِ وَالصَّائِمِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ.


وفقني الله وإياكم لاتباع سنته صلى الله عليـه وسلم قولاً وعملاً وقصداً، وثبتنا على ذلك حتى الممات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.