الأحد، 21 ديسمبر 2014

الغنيمة الباردة .. قيام ليل الشتاء وصيام نهاره



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد

ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغنيمة الباردة؛ الصوم في الشتاء) رواه أحمد والترمذي وحسنه الألباني بمجموع طرقه.

أيها الأحبة: 


إن فصل الشتاء يُعرفُ بطول ليله، وقصِر نهاره، وفي ذلك غنيمة عظيمة للمسلم، وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها "غنيمة باردة" لأنها حصلت له بغير قتال ولا تعب ولا مشقة، فيغتم طول ليله بصلاة القيام والاستغفار، ويغتنم قِصرَ نهاره بالصيام.

وقد كان سلف هذه الأمة رحمهم الله تعالى يسبشرون بقدوم الشتاء لأجل ذلك، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "مرحبا بالشتاء، تنزل فيه البركة، ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام"
وقال الحسن البصري رحمه الله: "ونِعم زمان المؤمن الشتاء؛ ليله طويلٌ يقومه، ونهاره قصير يصومه"

قال ابن رجب رحمه الله تعالى بعد أن ساق هذه الآثار: "قيام ليل الشتاء يَعدل صيام نهار الصيف، ولهذا بكى معاذ عند موته، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَق الذكر" ا.هـ [لطائف المعارف لابن رجب].

أيها الإخوة:

إنّ قيامَ الليل عبادة عظيمةٌ، وعمَلٌ جليل، دأبَ عليه الصالحون من هذه الأمة، ولزم القيام به الصادقون من أهل هذه الملة، وقد أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وحث عليه ببيان ما له من فوائد وعوائد حميدة، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنه قال: "عليكم بقيام الليل، فإنه دَأَبُ الصالحين قبلكم، وقُربة إلى الله تعالى، ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفيرٌ للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد" رواه الترمذي. 

وقيام الليل من أفضل الصلوات بعد الصلاة المفروضة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة صلاة الليل" رواه مسلم.

وقد مدَح الله عبادَه المؤمنين، فذكر من أخلاقهم الحميدةِ التي نالوا بها بفضل الله جنّاتِ النعيم؛ أنهم كانوا يقومون الليل فقال: ﴿إنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ءاخِذِينَ مَا ءاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً مّن الَّليْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 15-18]. فوصَفَهم الله تعالى بأنّهم قليلاً ما ينامون لإحياء ليلهم بالصلاة، ويختِمون ليلهم بالاستغفار عمّا قدّموا وأساؤوا.

وقال جلّ جلاله: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ [السجدة:16، 17]، لشدة خوفهم من الله عز وجل؛ تَنَحّت جنوبهم عن مضاجع نومهم، وتوجهوا إلى الله عز وجل في ظلمة الليل سراَ فيما بينهم وبينه بالصلاة والمناجة خوفاً من عذابه، وطمعاً في ثوابه، فأعطاهم الله ذلك الثوابَ العظيم، ﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

وصلاة الليل عمل داوم عليه نبينا  صلى الله عليه وسلم ، وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فإذا سُئل عن ذلك، وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً".

وهو عملٌ يُدخل الجنة، فقد ثبت من حديث عبد الله بن سلام رضي الله عنه، أن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال: "أيّها الناس، أطعِموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنّةَ بسلام" رواه الترمذي.

أما الصوم أيها الأكارم:

فلعظيم منزلته عند الله عز وجل؛ نجد أنه تبارك وتعالى أخفى أجره عن عباده، وأسند ذلك إليه سبحانه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) متفق عليه، وعند ابن ماجه: (
كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ، يَقُولُ اللَّهُ: إِلَّا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ).




وهو حاجز وساتر للعبد عن النار، قال صلى الله عليه وسلم: (الصيام جُنـة يستجن بها العبد من النار) رواه أحمد.


وهو طريق إلى الجنة، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله، دلني على عمل أدخل به الجنة ؟ قال: عليك بالصوم فإنــه لا مِثل له) رواه النسائي.

تنبيه:

ينبغي لمن كان عليه قضاء من رمضان أن يبادر إلى القضاء لاسيما في فصل الشتاء نظراً لقصر النهار مع برودته فلا يكاد الصائم يشعر بتعب أو إرهاق، فبعض الناس يؤخر ما عليه من قضاء حتى يفوته القضاء ويدخل عليه رمضان آخر.

ختاماً أيها القارئ الكريم:

علينا أن لا نغتر بالدنيا، فإن صحيحَها يسقَم، وجديدَها يبلى، ونعيمَها يفنى. الآجال منقوصة، والأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد ثوابه وأجره، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة وحسرة، ولكل زارع ما زرع.
قيل لبعض السلف: ما أعظم المصائب عندكم؟ فقال: أن تقدر على المعروف ولا تصطنعه حتى يفوت.

قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ في هذا المعنى:

       إذَا هَبَّتْ رِيَاحُك فَاغْتَنِمْهَا
                  فَــإِنَّ لِكُــلِّ خَافِقَـــةٍ سُكُـــونُ
       وَلَا تَغْفُلْ عَنْ الْإِحْسَانِ فِيهَا
                  فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ
       وَإِنْ دَرَّتْ نِيَاقُك فَاحْتَلِبْهَا
                  فَمَا تَدْرِي الْفَصِيلُ لِمَنْ يَكُونُ


فأسأل الله تعالى أن يعمر أوقاتنا بطاعته وذكره وشكره وحسن عبادته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

من أحكام صلاة الاستسقاء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي المصطفى الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد...
إن صلاة الاستسقاء سنة مشروعة حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله إذا تأخر نزول المطر وأجدبت الأرض، فمن أهم الأحكام المتعلقة بها:

حكم صلاة الاستسقاء:
سنة مؤكدة لقول عبد الله بن زيد: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحوّل رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة. متفق عليه.

وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبرٍ فوُضع له في المصلى، ووعد الناس يوما يخرجون فيه، قالت عائشة ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجبُ الشمس، فقعد على المنبر فكبر وحمد الله، ثم قال: (إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن أوان زمانه، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)، ثم قال: (الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين).ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حوَّل إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحاباً فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكِنِّ ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: (أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله).أخرجه الحاكم وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ".

والكَنّ: هو ما يُجعل من المساكن ليُتقى به شدة الحر والبرد.

صفة الخروج إليها:               
يخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً لقول ابن عباس رضي الله عنه: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ويخرج معه أهل الدين، والصلاح، والشيوخ - كبار السن - لأنه أسرع لإجابتهم، والصبيان المميزون لأنهم لا ذنوب لهم.

صفة صلاة الاستسقاء:
يبدأ بالصلاة ثم بالخطبة عند جمهور العلماء، ويصليها كصلاة العيدين في صفتها، وأحكامها، وموضعها، وبتكبيراتها، فتسن في الصحراء كالعيدين وأيضاً من غير أذان، ولا إقامة.

صفة الخطبة:
يخطب الإمام خطبة واحدة، ويكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11)[سورة نوح]، ولأن الاستغفار سبب لنزول المطر.
ويرفع يديه استحباباً في الدعاء لقول أنس رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وكان يرفع حتى يُرى بياض إبطيه) متفق عليه.
وظهور كفيه نحو السماء لحديث: (أشار بظهر كفيه إلى السماء) رواه مسلم، أي مبالغة في الرفع لا قصداً منه.

دعاء الاستسقاء:
ثم يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ومنه: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل) (رواه أبو داود).
- (اللهم أسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت) (رواه أبو داود).
- قال الشَّافِعِيُّ: رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، مَرْفُوعًا أَنَّهُ كَانَ إِذَا اسْتَسْقَى قَالَ:  «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلَّلًا عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالْفَتْكِ مَا لَا يَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنَبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفْهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا» .. قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ رُوِّينَا بَعْضَ، هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَبَعْضَ مَعَانِيهَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ (رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار).

ويسن أن يستقبل القبلة إذا فرغ من خطبته ويدعو ثم يحول رداءه فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن لما في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم حوّل إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو ثم حول رداءه. ولمسلم: حول رداءه حين استقبل القبلة. ويفعل الناس كذلك.
ويدعو سراً -غير الدعاء في الخطبة- ويقول: (اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا).
فإن سقوا وإلا عادوا ثانياً وثالثاً.

ما معنى تحويل الرداء؟ وما الحكمة منه؟


تحويل الرداء، هو أن يقلبه، فيجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن، والحكمة من ذلك: تفاؤلاً بأن يحول الله الحال إلى الأفضل.

يستحب قبل الخروج إلى صلاة الاستسقاء


- التوبة من جميع الذنوب والمعاصي، والخروج من المظالم، لأنها من أسباب حلول النقم، وقحط المطر قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96]. وقال تعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16].
   وينبغي أيضاً الإكثار من الاستغفار والتوبة، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10 -12].

- وينبغي على كل مسلم أن يتحلل من صاحبه إن كانت بينهما شحناء وخصومة، فإن ذلك من أسباب جلب النقم، وحلول المحن، والنبي صلى الله عليـه وسلم أخبر أن من الثلاثة الذين لا تُرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً (أَخَوانِ مُتصارمان) رواه ابن ماجه، أي: متخاصمان، فالصلاة والدعاء لا يرتفعان مع التشاحن.

- ويستحب الإكثار من الطاعات التي تجلب محبة الله للعباد كالصيام والصدقة، فإن الصائم مجاب الدعوة، والصدقة تطفئ غضب الرب. وكذلك إخراج الزكاة فقد صح في الحديث: (وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا).
  قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى-: "ويتأهب قبله بصدقة وصيام وتوبة وإقبال على الخير، ومُجانبةً للشر، ونحو ذلك من طاعة الله تعالى" [المجموع:ج5 ص68]




هذه بعض الأحكام المهمة المتعلقة بهذه السنة العظيمة، فأسأل الله أن ينفع بها قارئها.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الأربعاء، 30 أبريل 2014

وقفة مع شهر رجب


شهر رجب
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
لقد أظلنا شهر عظيم، وموسم مبارك، وهو من الأشهر الحُرم التي حرمها الله تعالى، وقد أشار إليها عز وجل بقوله: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة : 36].
وشهر رجب هو أحد هذه الأشهر المحرمة.
وسُمي بهذا الاسم: لأنه كان يُرَجَّب: أي يُعظم، وخرّج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ خطب في حجة الوداع فقال في خطبته: (إن الزمان قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ).
فالأشهر الحرم هي أربعة، ثلاثة سرد، وواحد فرد.
وسُميت بهذا الاسم، لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها، وتحريم القتال فيها.
وسُمي رجب برجب مضر، نسبة إلى أهل مضر حيث كانوا من أشد العرب تعظيماً لهذا الشهر، لدرجة أنهم كانوا يأجلونه ويؤخرونه عن موضعه من بين الشهور خوفاً من اقتراف خطيئة فيه أو قتال.
وقد ذمهم الله تعالى في قوله: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 37]، فأهل الجاهلية لما رأوا احتياجهم للقتال في بعض الأشهر الحرم؛ رأوا بآرائهم الفاسدة أن يقدموا بعض الأشهر الحرم أو يؤخروها ليحل محلها شهر حلالاً ليُحلوا القتال فيه.
ولهذا نبه ﷺ بقوله: (وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ) تأكيداً للبيان، ومزيداً للإيضاح بأن الموضع الصحيح لشهر رجب هو بين جمادى وشعبان.
أخي القرئ:  إن عظمةَ هذا الشهر تأتي من كونه أحد الأشهر الحرم لا غير، وقد قال العلماء: إن الأعمال تتفاضل، ومِن تفاضلها؛ تفاضل الزمان والمكان، فركعتان في مكة مثلاً ليس كركعتين في غيرهما، وهكذا العمل في شهرٍ محرم، ليس كعمل في غيره من الشهور.
وأيضاً فإن شهر رجب هو كالممهد لما بعده من الشهور والمواسم العظيمة، فإنه يأتي بعده شعبان، وبعده رمضان، وقد أشار العلماء إلى أن العمل في رجب بمثابة بذر الثمرة، والعمل في شعبان، بمثابة سقي تلك الثمرة، والعمل في رمضان، بمثابة قطف تلك الثمرة.
ويجدر التنبيه إلى أنه لم يثبت في تخصيص هذا الشهر بعمل معين دون غيره حديث صحيح يُعوّل عليه، وكل ما ورد فيه من الأحاديث فهي إما ضعيفة أو موضوعة.
وعليه فإنه لا يَثبت فيه ما يسمى بصلاة الرغائب، وهي صلاة تقام في أول ليلة جمعة من شهر رجب. قال ابن رجب في بيان الأحاديث المرويةُ في فضل هذه الصلاة بأنها: "كذب وباطلٌ لا تصح، وهذه الصلاة بدعةٌ عند جمهور العلماء ".
ولم يثبت في صيام شيء من أيامه حديث صحيح، ولا في تخصيص ليلة من لياليه بقيام، ولم يثبت فيه أيضاً ما ينسب إلى قوله ﷺ: (اللهم بارك لنا في رجب، وشعبان، وبلغنا رمضان).
ولقد كان عمر رضي الله عنه يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول: (كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية) [صححه الألباني في الإرواء برقم: 957].
وثبتت كراهة صيام رجب عن جمع من الصحابة والتابعين.
وقال الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله: "لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء معين منه، ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث صحيح يصلح للحجة" وقال: "الأحاديث الواردة في فضل شهر رجب على قسمين: ضعيفة وموضوعة".
وقال ابن رجب - رحمه الله-: (وروي أنه كان في رجب حوادث عظيمة ولم يصح شيء من ذلك)[اللطائف ص290].
وينبغي أن نعلم: أن من جرت عادته في صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام الاثنين والخميس، أو كان له وردٌ من قيام الليل ونحو ذلك في سائر أيام السنة، فإنه لا حرج عليه في ذلك لمشروعية هذا النوع من الطاعات، طالما أنه لم يعتقد تعظيم شهر رجب واختصاصه بهذه الأعمال.
هذه كلمات موجزة فيما يتعلق بشهر رجب
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
وكتبه أخوكم:  علي سلمان الحمادي