الاثنين، 19 أغسطس 2013

كلمة توجيهية للدعاة / لفضيلة الشيخ أ.د. سليمان الرحيلي


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

فهذه كلمات توجيهية للدعاة تفضّل بها شيخنا الأستاذ الدكتور سليمان الرحيلي عند زيارته لمقر دائرة الشؤون الإسلامية بالشارقة في شوال عام 1435هـ

فقال حفظه الله تعالى بعد حمد الله والثناء عليه:

 لا شك أن الدُّعاة من ورثة الأنبياء، لأنهم يقومون بوظائف الأنبياء، وهي الدعوة إلى الله.

لكن الداعية يعلم علم اليقين أنه لا يدعو إلى نفسه وإنما يدعو إلى الله. وهذه القضية - وهي أن الداعي يدعو إلى الله - تقتضي أموراً منها:

أن يكون مخلصاً لله تعالى في دعوته، قاصداً بذلك وجه الله سبحانه وتعالى.

ومنها أن يسير على المنهج الذي أراده الله وجاء في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذات المنهج، وفي وسائل المنهج، وفي مقاصد المنهج، لا يغير ولا يبدل.
 لأنا نعتقد اعتقاداً جازماً انه لن يُصلح الناس إلا ما شرعه الله تعالى، ولن يستطيع أحد ان يأتي الناسَ بخيرٍ مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .

 وهذه الأمة المباركة يُصلح آخرها ما أصلحَ أولها، وهو الذي يجمع الناس على الحق والهدى والخير.

فهذه القضية من الأهمية بمكان؛ أن تسير على المنهج الذي شرعه الله، وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو موجود في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفهمه سلف الأمة رضوان الله عليهم.

 وينبغي على الداعية:
أن يعلم أن وظيفته أن ينظر إلى الناس بشرع الله، وألا ينظر إلى شرع الله بالناس.
يحاول أن يُصلح الناس بشرع الله تعالى، ويدفع الناس إلى شرع الله، ولا ينظر إلى شرع الله بما يريده الناس، ولكنه يعرف كيف يكسب قلوب الناس بالأسلوب الحسن والعلم المتين ومراعاة أحوال الناس.

 ومما ينبغي أن يعرفه الداعية ويسير عليه؛ أن وظيفته الشرعية الفرضية عليه أن ينظر إلى الناس بشرع الله ويصلح أحوال الناس بشرع الله ويسعى لعلاج واقع الناس بشرع الله.

من الأمور التي ينبغي أن يُدركها الداعية أن من الفرائض الواجبة عليه أن يحافظ على الأمن الذي يعيشه الناس، فالناس لا يُصلحهم إلا الأمن والسكون والدّعة، وأن يكون حريصاً على بيان الأسس الشرعية والأصول الشرعية لهذا الأمن، وتوطيد هذا الأمن والتعاون عليه وكشف ما يخل به بالأسلوب الحسن المناسب الذي يحقق المقصود ولا تترتب عليه المفاسد.

 لأنا إذا نظرنا إلى واقع الحال نجد أنا - في دول الخليج عموماً - الآن مستهدفون في أمننا، مستهدفون في الوحدة الطيبة الملحوظة في العالم كله بين الرعية والراعي.
فلله الحمد نجد أن ما بين الراعي والرعية في هذه الدول - دول الخليج - فيه محبة ولله الحمد والمنة، فيه دعاء، فيه حرص على الخير من الطرفين.

ولا شك أنا نحب الزيادة من هذا الخير. وهناك من يحسدنا على هذا الأمر ويلبّس هذا الأمر بلباس الدين، ويطرحه بطرح الدين.

وظيفتنا نحن الدعاة أن نرد هذا الأمر، ونحرص أيما حرص على تقوية اللحمة:
- بين الرعية أنفسهم بشرع الله.
- وبين الرعية والعلماء، فإن الناس لا يزالون بخير ما ارتبطوا بعلمائهم.
- وبين الراعي والرعية، وسد كل ثغرة يمكن أن يفتحها من عنده انحراف، بالأسلوب الشرعي والعلم المتين.

ونبذل ما نستطيعه في هذا الباب ليس تقرباً لأحد، وإنما هو تقرب إلى الله لأنه دين.
ولن يفلح أحد في هذا الباب إلا إذا كان طرحه خالصاً لوجه الله تعالى.

 ونحن نلحظ أيها الإخوة أن من الناس:
- من يحاول إبعاد الناس عن وطنهم وبلادهم بحجة أن المواطَنة لا مكان لها في الإسلام.
- ويربط الناس بولاءات بعيدة عن بلادهم وهي أيضاً ليست شرعية.

فينبغي على الداعية أن يلحظ هذا، وأن يحرص على بيان الولاء الشرعي الصحيح والأسس الشرعية لارتباط الإنسان ببلده، وأنه ليس صحيحاً أن لا يرتبط الإنسان ببلده وإنما يرتبط بالأمة الكبرى! وتُقطع عرى صلته ببلده! بل يحرص على بيان الأصول الشرعية التي تقتضي ارتباط الإنسان ببلده من غير انحراف في الباب.

 فهناك من ينحرف في هذا الباب من جهة أخرى، ويريد أن يجعل مثلاً المواطنة مقدمة على الإسلام، وهذا لا شك أنه انحراف.

فينبغي على الداعية أن يبين الأصول الشرعية التي يرتبط فيها الإنسان ببلده وأنه يجب أن يكون له ولاء شرعي في بلده بما يربط الناس.
لأنا نلحظ أن هذا الأمر وخاصة في وسائل الإعلام الحديثة بدأ يكثر جداً في محاولة قطع أواصر اللحمة بين الناس والبلدان التي يعيشون فيها.

صراحة بكل صدق أقول:
يعني هناك من يعيش مثلاً في الإمارات، في دولة السعودية، في كذا.. ويأتي أمر يحتاج إلى موقف شرعي فتجده لا يتخذ موقفاً، ينتظر مواقف الآخرين الذين هم أصلٌ له، ويكون موقفه تبعاً لموقفهم، ليس الموقف الذي تقتضيه الأصول الشرعية، وليس الموقف الذي ينبغي أن يكون عليه، وإنما هو تبع لغيره. ولا شك أن في هذا خللاً عظيماً ينبغي التنبه إليه.

 الداعية ينبغي أن يحرص على بيان الأصول الشرعية بالأسلوب الصحيح، يعني لا بد - يا إخوة- أن تلاحظ أنك تتكلم بالحق لتبينه للخلق، فتلحظ هذا الأمر، فتحرص على أن توصله بالحق بأسلوب طيب.

قضية الأساليب مهمة، الإنسان لا يكون على أسلوب واحد مع كل أحد، الناس يختلفون في تلقيهم، يمكن أن تعرض الحق بأساليب متعددة مناسبة لكل مقام. بعض الناس يصلحه التصريح ولا ينفعه أن تشير إشارة، وبعض الناس التصريح ببعض الأشياء لا يصلحه، فيحتاج أن تأخذ معه قضية التلميح وقضية التأصيل وقضية كذا.

 المهم أن الداعية يدرك أن وظيفته أن يوصل الحق إلى الخلق فيحرص على هذا بأسلوب يكون مناسباً. هذه أشياء يجب أن ندركها.

 أشير إلى قضية مهمة جداً وهي:
أن الداعية زاده العلم الصحيح ولا يزال الإنسان بخير ما ظن أنه جاهل يحتاج إلى علم، فإذا ظن أنه وصل فقد انقطع.

إياك أن تقول أنا اليوم أعلم!، أنا ما أحتاج أن أتعلم!، من ظن هذا فقد أفلس.

 لا يزال الإنسان بحاجة إلى العلم إلى أن يموت.
والعلم كما قال العلماء بحور زاخرة، لن يدرك الكادح فيه آخره، يموت الإنسان وهو ما وصل.
ولكن يحتاج إلى أن يتعلم.
وكلما كنت قوياً في علمك؛ كلما كنت بحمد الله متيناً في أثرك، والأثر لا يُقاس بالكثرة، ولكنه يُقاس بالقوة.
فقد يكون هناك أناس كُثر يتبعون لشخص ولكن ليس هناك الأثر النافع الذي يظهر عليهم في بلادهم وفي أنفسهم.
 وقد يكون هناك من الناس من يكون عنده عدد قليل من الناس؛ ولكن له أثر متين راسخ، وكلما كان علمك قوياً كان أثرك متيناً.

نعم قد يكون الأتباع أقل لأن العلم ثقيل، أو الناس تحب الشيء الذي يُطرب ولا يُتعب، يدخل الإنسان ويستمع على أنه أمر ديني ويخرج ربما يضحك، ربما توسع صدره، ربما كذا .. ثم يخرج لم يحمل شيئاً.
الشيء الذي يُطرب ولا يُتعب، يحس أنه قام بشيء شرعي ولا يتحمل شيئاً.
أما العلم، فالعلم ثقيل لكن أثره متين، وهو الذي ينفع وقت الأزمات بفضل الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يتبين فيه الصادق في موقفه من الناقص.

ولذلك يا إخوة، الدعاة ينبغي عليهم التزود من العلم، وأن لا يقفوا عند حد، وكذلك التعاون فيما بينهم في هذا وفي غيره، وأن يرجع الأصغر إلى الأكبر مع المشاورة وحسن الصلة بولاة الأمر والقائمين على الدعوة. بحيث يكون تعاون على البر والتقوى.

 أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا للقيام بالواجب علينا، وأن يحقق لنا ما نريد من سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، والله تعالى أعلا وأعلم وصلى الله على نبينا وسلم. ا.هـ.


هناك تعليق واحد: