الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله،
خير خلق الله أجمعين، أما بعد
فإنّ حكمةَ الله تعالى قضت في خلقه أن
يبتليهم امتحاناً لهم أو عقاباً.
فيبتليهم امتحاناً لينظر ما يصنعون،
كما قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ
مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: 31]، فالابتلاء
هنا اختبارٌ لدرجة إيمانهم وصبرهم، فيتميز المؤمن عن الكاذب كما قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ
صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾ [العنكبوت:2- 3].
وقد يبتليهم عقاباً لهم بسبب مقارفتهم
للذنوب والمعاصي، فيظهر أثر ذلك بما يُجريه سبحانه وتعالى في الأرض من أنواع
البلايا والمحن، فكل ذلك إنما يحصل بشؤم معصية بني آدم، كما قال تعالى: ﴿ظَهَرَ
الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ
لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41].
وإن من أنواع الابتلاء الذي يُوقعه
الله تعالى على عباده؛ جدبُ الأرض، وانحباس القطر من السماء.
وقد بين النبي ﷺ أن من أعظم
الذنوب التي تحبس المطر هي منع الزكاة وعدم إخراجها لمستحقيها، فقال ﷺ: (وَلَمْ
يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ
وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا) ([1]).
وقد يكون انقطاع المطر بسبب عموم
الذنوب والمعاصي التي تقع من بني آدم:
قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إنّ
الحُبارى لَتموتُ في وَكْرها من ظلم الظالم"([2]) ،
والحبارى إنما تموت بسبب آثار انقطاع المطر من جدب الأرض وقلة الماء والكلأ.
وقال مجاهد: "إنّ البهائم تلعن
عصاةَ بني آدم إذا اشتدت السَّنة، وأمسك المطر؛ وتقول: هذا بشؤم معصية ابن
آدم"([3]).
وقال مُجَاهِدٍ في تفسير قوله تعالى: ﴿وَإِذَا
تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ
وَالنَّسْلَ﴾ [البقرة: 205] الْآيَةَ، قَالَ: إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي
الْأَرْضِ بِالْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ، فَيَحْبِسُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْقَطْرَ،
فَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.
وقال عكرمة في تفسير قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ
يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾ [البقرة: 159]:
"يَلْعَنُهُمْ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْخَنَافِسُ وَالْعَقَارِبُ يَقُولُونَ:
مُنِعْنَا الْقَطْرَ بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ "([4]) .
قال أبو إسحاق الشيرازي: إن المظالم والمعاصي
تمنع المطر، والدليل عليه ما روى أبو وائل عن عبد الله [ابن مسعود] أنه قال:
"إِذَا بُخِسَ الْمِكْيَالُ حُبِسَ الْقَطْرُ"([5]) .
قال ابن القيم معلقاً بعد أن أورد بعض
هذه الآثار: "فلا يكفيه عقابُ ذنبه، حتى يبوء بلعنة من لا ذنب له"([6]) .
العلاج والوقاية يحصل بعدة أمور:
فيجب على المسلمين أن يجتهدوا في رفع
هذا البلاء إذا حلّ بهم وذلك:
أولاً: بالتوبة والاستغفار وترك
الذنوب والمعاصي.
إذعاناً بالعجز والفقر، واعترافاً إلى
الله بالتقصير والخلل، منكسرين له سبحانه وتعالى، مبتهلين إليه، راغبين فيما عنده
عز وجل.
فإذا تم لهم كل ذلك فتح الله لهم أبواب
رحمته، قال سبحانه وتعالى على لسان أنبيائه ورسله: ﴿وَيَاقَوْمِ
اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ
مِدْرَارًا﴾ [هود : 52].
وقال سبحانه وتعالى على لسان نوح عليه
السلام: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) ﴾ [نوح : 10- 11]. ولا يكفي
الاستغفار بالقول، بل لا بد من العزم على عدم العود، ورد الحقوق والمظالم. لأنها
من أسباب حلول النقم، وقحط المطر قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى
آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)﴾ [الأعراف:
96].
وقال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ
اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)﴾ [الجن:16].
ثانياً: اتباع هدي النبي ﷺ في
رفع هذا البلاء بالاستسقاء، وهو طلب الغوث من الله تعالى، ويحصل إما بصلاة مخصوصة
كهيئة صلاة العيد، أو بالدعاء في خطبة الجمعة.
أما صلاة الاستسقاء:
فقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ ﷺ قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ، فَوُضِعَ لَهُ فِي
الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى
الْمِنْبَرِ، فَكَبَّرَ ﷺ، وَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّكُمْ
شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ
عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ
أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ).
ثُمَّ قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ
إِلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ
إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ،
وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ).
ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ
فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ
ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ، أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ
وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً فَرَعَدَتْ
وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى
سَالَتِ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ ضَحِكَ ﷺ،
حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: (أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ)([7]) .
و الْكِنّ: هو ما يُجعل من المساكن
ليُتقى به شدة الحر والبرد.
أما الاستسقاء في خطبة صلاة الجمعة فقد
ثبت في السنة الصحيحة أن رجلاً دَخَلَ المَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ منْ بابٍ كانَ
نَحْوَ دَارِ القَضَاءِ، ورَسُولُ الله ﷺ قائِمٌ يَخْطُبُ، فاسْتَقْبَلَ
رسولَ الله ﷺ قائِماً ثُمَّ قَالَ: يَا رسولَ الله، هَلَكَتِ
الأمْوَالُ، وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فادْعُ الله يُغِيثُنَا.
فَرَفَعَ رسولُ الله ﷺ يَدَيْهِ
ثُمَّ قالَ: (اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ أغِثْنَا، اللَّهُمَّ
أغِثْنَا).
قَالَ أنَسٌ: وَلاَ وَالله مَا نَرَى
فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ ولاَ قَزَعَةٍ وَمَا بَيْنَنَا وبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ
بَيْتٍ ولاَ دَار([8])،
قَالَ: فَطلعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلَ الترْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ
السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أمْطَرَتْ فَلاَ وَالله مَا رَأيْنَا الشَّمْسَ
سِتَّا.
ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذلِكَ البابِ
فِي الجُمُعَةِ المقبلة ورَسولُ الله ﷺ قَائِمٌ يَخْطُبُ فاسْتَقْبَلَهُ
قائِما فَقَالَ: يَا رسولَ الله هَلَكَتِ الأمْوَالُ وانْقَطَعَتِ السُّبُلُ
فادْعُ الله يُمْسِكْهَا عَنَّا.
فَرَفَعَ رسولُ الله ﷺ يَدَيْهِ
ثُمَّ قالَ: (اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ
وَالظِّرَابِ وبُطُونِ الأوْدِيَةِ ومَنَابِتِ الشَّجَرِ).
قَالَ: فأقْلَعَتْ وخَرَجْنَا نَمْشِي
فِي الشَّمْسِ. قَالَ شَرِيكٌ سألْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ أهُوَ الرَّجُلُ الأوَّلُ
فقالَ لا أدْرِي ([9]).
قال ابن بطال المالكي -رحمه الله
تعالى- معقباً على هذا الحديث المتقدم: "فيه دَلِيل على أَن للْإِمَام إِذا
سُئِلَ الْخُرُوج إِلَى الاسْتِسْقَاء أَن يُجيب إِلَيْهِ لما فِيهِ من الضراعة
إِلَى الله تَعَالَى، فِي إصْلَاح أَحول عباده، وَكَذَا فِي كل مَا فِيهِ صَلَاح
الرّعية أَن يُجِيبهُمْ إِلَى ذَلِك، لِأَن الإِمَام رَاع ومسؤول عَن رَعيته
فَيلْزمهُ حياطتهم".
صفة الخروج لصلاة
الاستسقاء:
يخرج المسلم بتواضعٍ، وخشوع، متذللاً إلى الله تعالى، متضرعاً إليه أنْ يكشف ما حلّ بهم من بلاء، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: (خرج النبي ﷺ متواضعاً، متبذلاً، متخشعاً، مترسلاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد)([10]).
متبذلاً: أي في ثياب رثة لا يتزين ولا
يتطيب لأنه يوم تواضع واستكانة.
متخشعاً: في مشيه وجلوسه من الذل
رامياً بصره إلى الأرض.
مترسلاً: غير مستعجل في
مشيه.
متذللاً: لله تعالى، خاضعاً له.
متضرعاً: مبتهلاً إلى الله تعالى في
الدعاء مع حضور القلب.
ويُستحب أن يُخرج الإمامُ معه أهلَ
الدين والصلاح، والشيوخ من كبار السن، لأنه أسرع لإجابتهم، والصبيان المميزون
لأنهم لا ذنوب لهم، ولقوله ﷺ: (هل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم)([11]).
صفة صلاة الاستسقاء:
صلاة الاستسقاء تُصلى ركعتان كهيئة
صلاة العيدين، يُستحب أن تصلى في الصحراء، يكبر في الأولى سبع تكبيرات مع تكبيرة
الإحرام، وفي الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال. يبدأ بالصلاة ثم بالخطبة،
وهو مذهب جمهور العلماء، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (استسقى
النبي ﷺ فصلى ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا)([12]) .
يستحب فيها أن يرفع
يديه في الدعاء لقول أنس رضي الله عنه: (كان النبي ﷺ لا يرفع يديه
في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء وكان يرفع حتى يُرى بياض إبطيه)([13]) .
ويُسن أن ُيحوِّل رداءه: فيجعل الأيمن على
الأيسر، والأيسر على الأيمن، لما في الصحيحين: أنه ﷺ حَوّل إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه. ولمسلم: حَوّل رداءه حين استقبل القبلة. ويفعل
الناس كذلك.
والحكمة من ذلك: تفاؤلاً بأن يُحوِّل الله الحال إلى الأفضل.
والحكمة من ذلك: تفاؤلاً بأن يُحوِّل الله الحال إلى الأفضل.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَدْعُو سِرًّا
فِي نَفْسِهِ، وَيَدْعُو النَّاسُ مَعَهُ، .. وَيَقُولُ «اللَّهُمَّ إِنَّكَ
أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ، وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ، فَقَدْ دَعَوْنَاكَ كَمَا
أَمَرْتَنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ أَوْجَبْتَ
إِجَابَتَكَ لِأَهْلِ طَاعَتِكَ وَكُنَّا قَدْ قَارَفْنَا مَا خَالَفْنَا فِيهِ الَّذِينَ
مُحِضُوا طَاعَتَكَ فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا،
وَإِجَابَتِنَا فِي سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا».
وقال رحمه الله: "وَإِنِ اسْتَسْقَى فَلَمْ
يُمْطَرِ النَّاسُ أَحْبَبْتُ أَنْ يَعُودَ، ثُمَّ يَعُودَ حَتَّى يُمْطَرُوا" ([15]).
يعني يصلون الاستسقاء مرةً بعد مرةً حتى يُغيثهم الله تعالى.
يعني يصلون الاستسقاء مرةً بعد مرةً حتى يُغيثهم الله تعالى.
ما يستحب فِعله قبل الخروج إلى صلاة
الاستسقاء
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:
"ويتأهب قبله بصدقة، وصيام، وتوبة، وإقبال على الخير، ومُجانبة للشر، ونحو ذلك
من طاعة الله تعالى"([16])
.
- فيجب التوبة من جميع الذنوب
والمعاصي، والإكثار من الاستغفار، فبالتوبة والاستغفار تُستَدَرّ الخيرات، وتُستمطر السماء.
- وينبغي على كل مسلم أن يتحلل من
صاحبه إن كانت بينهما شحناء وخصومة، ويرد المظالم لأهلها، فإن الظلم والشحناء تمنع
اندفاع النقم، وتأخر زوال المحن، والنبي ﷺ أخبر أن من الثلاثة الذين لا
تُرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: (أَخَوانِ مُتصارمان) ([17]) أي:
متخاصمان، فالصلاة والدعاء لا يرتفعان مع التشاحن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله ﷺ: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ
وَخَمِيسٍ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إِلَّا
امْرَأً بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ) قَالَ: (فَيُقَالُ:
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا،
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) ([18]).
- ويستحب الإكثار من الطاعات التي
تجلب محبة الله للعباد كالصيام والصدقة، فإن الصائم مجاب الدعوة، والصدقة تطفئ غضب
الرب. وكذلك إخراج الزكاة فقد تقدم في الحديث: (وما منع قوم زكاة أموالهم إلا
منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا).
- ومن الأدعية التي كان النبي ﷺ يدعو
بها: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل) ([19]).
- قال الشَّافِعِيُّ: رُوِيَ عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، مَرْفُوعًا أَنَّهُ كَانَ إِذَا
اسْتَسْقَى قَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا
غَدَقًا مُجَلَّلًا عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا
الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ
وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ
وَالْفَتْكِ مَا لَا يَشْكُو إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنَبِتْ لَنَا
الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ
لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ
وَالْعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفْهُ غَيْرُكَ،
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا فَأَرْسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا» .. قَالَ أَحْمَدُ: وَقَدْ رُوِّينَا بَعْضَ،
هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَبَعْضَ مَعَانِيهَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي
الِاسْتِسْقَاءِ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ
بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ ([21]).
- كما أوصي إخواني المسلمين
بالمبادرة إلى صلاة الاستسقاء إذا أمر ولي الأمر بإقامتها، فإنه من المشاهد
عزوف الناس عن أداء الصلاة، وخلو المساجد والمصليات من الناس، وكأن الأمر لا
يعنيهم شيئاً. والله عز وجل يقول في محكم كتابه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا
يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11].
وأتمنى من الجهات والدوائر والمؤسسات التكاتف والتعاون في هذا الأمر، بالسماح للموظفين وحثهم على أداء الصلاة -لا سيما إذا صادف وقتها يوم عمل- فإنه من التعاون على الخير والبِر والإحسان، وإحياء سُنّة خير الأنام ﷺ، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].
وأتمنى من الجهات والدوائر والمؤسسات التكاتف والتعاون في هذا الأمر، بالسماح للموظفين وحثهم على أداء الصلاة -لا سيما إذا صادف وقتها يوم عمل- فإنه من التعاون على الخير والبِر والإحسان، وإحياء سُنّة خير الأنام ﷺ، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2].
اللهم إنا خلق من خلقك، عبيد من عبيدك،
فقراء ضعفاء إليك، أكرمنا بواسع رحمتك، واشملنا بعظيم عفوك، وأنزل علينا الغيث ولا
تجعلنا من القانطين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تم الفراغ منه: ليلة السادس والعشرين
من صفر عام 1437هـ
أبو عبد الله علي سلمان الحمادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق